مقدمة
لعل أهم ما يشغل بال أي باحث هو موضوع البحث وكيفية اختياره، سواء لدرجة الماجستير أو الدكتوراه فعادة ما يمر بمرحلة
من الحيرة والتردد قد تطول أياماً وشهوراً. وهذه الحالة من الحيرة والتردد ظاهرة طبيعية لا ينبغي أن تسبب قلقاً للباحث
أو تقلل من ثقته في نفسه أو قدراته البحثية، بل على العكس فأنها تعطيه الفرصة لمزيد من القراءة و الاطلاع على
الجديد من الموضوعات و المشكلات في مجال تخصصه كما تعطيه الوقت الكافي للتشاور مع الأساتذة والزملاء حول
ما يدور في ذهنه من أفكار حتى يصل لقناعة كاملة بالموضوع وأبعاده.
من الأخطاء التي يقع فيها الباحث عند اختيار مشكلة البحث
1- اختيار الباحث لموضوع بحث تقليدي مستهلك.
من السلوكيات الخاطئة التي يقع فيها الباحث عند اختيار قضية بحثية هي التحمس لموضوع واحد بعينه، أو أن يغلق
تفكيره على هذا الموضوع و لا يعطي لنفسه فرصة النظر في احتمالات أخرى وموضوعات جديدة ومشكلات
لم يتناولها الباحثون من قبل. وقد يقوده ذلك إلى اختيار موضوع تقليدي مستهلك و يحرمه من اختيار موضوعات
أخرى أكثر حداثة وربما أكثر أهمية في مجال التخصص.
2- اختيار الباحث مشكلة البحث من خارج تخصصه
إذا لم يكن الباحث على دراية كاملة بالمجالات البحثية التي تقع في إطار تخصصه التربوي فقد يختار قضية
تقع في نطاق تخصص اّخر وهنا يضيع وقته ومجهوده سدى.
مثال 1: باحث من قسم المناهج وطرق التدريس سافر في بعثة للخارج للحصول على درجة الدكتوراة.
وهناك تاهت منه معالم الطريق، وتخير موضوعاً مهماً ومفيداً وبذل جهده في بحثه وأنهى دراسته وحصل
على الدكتوراه. وعندما عاد إلى أرض الوطن، اتضح أن موضوعه يدخل في نطاق تخصص أصول التربية.
مثال 2: طالب في التربية الفنية مثلاً يختار بحثاً يدور حول الطلاءات الخزفية وكيف يتوصل إلى نوع جديد
من الطلاء له مميزات اقتصادية أو جمالية.
أخطاء أخرى يقع فيها الباحث عند اختيار مشكلة البحث:
بعد أن يستقر الباحث على المجال الذي يرغب البحث فيه و بعد أن يكون اقترب من تحديد القضية التي اقتنع بوجودها
و أهميتها عليه التأكد من عدة أمور لكي يضمن النجاح. ولعل أهم ما يفيده في ذلك تجنب الأخطاء الأتية:
1- ألا يمثل الموضوع المختار قضية بحث فعلية:
قد يتصور الباحث- خاصة المبتدئ- أن كل ظاهرة يصادفها خلال العمل البحثي تصلح لتكون مشكلة بحثية.
و هذا غير صحيح حيث نجد بعد المشكلات لا تحتاج إلا لمزيد من القراءات والأدبيات المرتبطة بالموضوع،
أو أن يكفي أن تناقش الظاهرة من قبل النتخصصين ليصلوا إلى حلها.
2- أن تكون قضية البحث من المشكلات التي تتطلب بحوث حركة (Action research)
وهنا تكون المشكلة واقعية ولكن حجم المشكلة وطبيعتها تتطلب إجراء بحث حركة سريع لا يتطلب كل القيود
و الشروط والمدة الزمنية التي يحتاجها البحث التربوي الذي يستهدف الحصول على درجة الماجستير أو الدكتوراه.
3- أن يتخير الباحث مشكلة ذات طابع شخصي
كثيراً ما تكون نتائج هذه البحوث مفيدة نظراً لحماس الباحث لها إلا أن في هذه الحالة يكون البحث محدود النتائج
ولا يمكن تعميمه و بالتالي يكون الموضوع أو المشكلة غير مناسبة.
4- أن يجبر الباحث على اختيار مشكلة غير مقتنع بها
إن اختيار الباحث موضوعاً لا يحبه أو اجباره على اختيار موضوع لا يقع ضمن اهتماماته يؤدي إلى أن يفقد حماسه للعمل،
و تصبح إجراءات البحث عملية غير محببة إلى نفسه يؤديها دون إستمتاع أو لا يبذل فيها أقصى قدراته و إبداعاته وتكون النتائج عادة دون المستوى.
5- أن تكون المشكلة قديمة وسبق لبحوث سابقة أن تناولتها
بمعنى أن على الباحث التأكد من أن الموضوع المختار لم تسبق دراسته بنفس الأهداف، و بنفس المتغيرات وربما
نفس الاجراءات و بالتالي لم يعد هناك داع لبحث اّخر في الموضوع ذاته أو المشكلة ذاتها.
6- أن تكون المشكلة أكبر من قدرات الباحث و إمكاناته
أحياناً يدفع الحماس الباحث لاختيار مشكلة مهمة و جديرة بالبحث، ولكن تتطلب إمكانات مادية وبشرية أعلى من امكانات الباحث.
فقد تتطلب المشكلة فريق بحثي متعدد التخصصات و أحيانا تتطلب سنوات طويلة لبحثها مما لا تكفيها سنوات الدراسة.
و قد يحتاج البحث لأجهزة و معدات غير متوفرة و لا يمكن للباحث توفيرها.
7- إغفال الباحث إجراء دراسة إستطلاعية للتأكد من المشكلة
في حالات كثيرة يكون المفيد إجراء دراسة إستطلاعية للتأكد من وجود المشكلة فعلاً و للتعرف عل أبعاد المشكلة و متغيرات البحث
والتعرف على الصعوبات التي يمكن أن تواجه الباحث في دراسة المشكلة. وفي ضوء نتائج هذه الدراسة يقرر الباحث المضي
في إعداد خطة بحثه أو إدخال بعض التعديلات على فكرة البحث أو حدوده أو اساليب التناول و الاجراءات أو قد يغير رأيه في الموضوع ككل.
أخطاء شائعة عند البدء في كتابة خطة البحث
تعتبر خطة البحث بمثابة عقد بين الباحث والقسم العلمي و الكلية أو الجامعة التي يسجل فيها بحثه. وهناك شروط
ومتطلبات معينة تحددها كل كلية أو جامعة ينبغي الألتزام بها.
و من الأخطاء الشائعة التي يقع فيها الباحثين عند كتابة خطة البحث
1- تسرع الباحث في كتابة خطة البحث
قد يكتب الباحث خطة بحثه قبل أن يكمل دراسته المتعمقة للأدبيات المرتبطة بالموضوع، و قبل الأطلاع على البحوث
و الدراسات التي إجريت أو تجرى في الموضوع. إن هذا يعرضة لكثير من النقد عندما يعرض خطته، و إذا قبلت الخطة
فإن الباحث يكتشف بنفسه بعض القصور في عناصر الخطة مما يمثل مشكلة في التنفيذ. ولمعالجة هذا القصور قد يحتاج
الباحث إلى إجراءات قانونية إدارية تكلفه الكثير من الوقت و المتاعب.
2- كتابة الخطة قبل التأكد من توافر الإمكانات و المتطلبات اللازمة للبحث
قد يكون ذلك أحد مظاهر التسرع و لكن قد يكون أيضا نتيجة عدم إدراك الباحث لهذه المتطلبات أو عدم تقديره لأهميتها.
مثال إذا لم يتأكد الباحث من توافر العدد الكافي من الأفراد الذين يعتزم اختيارهم كعينة لبحثة فإن ذلك يؤدي حتماً إلى فشل البحث.
مثال أحد الباحثين خطط لتجريب استراتيجية مقترحة لتدريس بعض وحدات مقرر دراسي في الصف السادس و لم يدرك إنذاك انه لم يعد يوجد صف سادس.
3- عنوان البحث
بعض الباحثين يكتبون عنواناً طويلاً مليئاً بالتفاصيل غير اللازمة التي يمكن أن تكون في حدود البحث أو تتضح في الاجراءات.
كما يميل البعض إلى كتابة عنوان فضفاض و غير محدد فتضيع معالم البحث وهويته.
4- مقدمة البحث
- من الأخطاء الشائعة في كتابة مقدمة البحث أن يميل الباحث إلى العمومية الشديدة التي قد تشتت القارئ، وأن يسخدم لغة فضفاضة بعيدة عن الأسلوب العلمي الدقيق.
- عند استعراض بعض الأدبيات والبحوث التي تناولت الموضوع قد يسيئ بعض الباحثين اختيار تلك المراجع فيقدمون مراجع غير مرتبطة بمشكلة البحث أو تكون قديمة فلا توضح أهمية إجرائه .
- كما تعتبر الإطالة من الأخطاء التي يقع فيها الباحثين، كذلك الاختصار الشديد خطأ غير مستحب حيث لا يسمح للقارئ بفهم أبعاد المشكلة و موقعها في الخريطة البحثية.
5- صياغة المشكلة
مشكلة البحث هي حالة أو ظاهرة يقابلها الباحث في عمله و هذه الحالة أو الظاهرة تمثل للباحث نقطة قصور تدفعه إلى
ضرورة التفكير في ضرورة البحث عن حل أو علاج لها. وعند صياغة المشكلة على الباحث أن يصف هذه الحالة أو الظاهرة
بصورة واضحة ومباشرة دون مبالغة أو تهوين . ويكون الوصف في عبارات تقريرية يفهم منها القارئ المشكلة ويريد أن يجد حلاً لها من البحث المقترح.
مثال: لاحظ باحث تدهوراً واضحا في أداء معلمي مادة دراسية معينة مما انعكس على مستوى التلاميذ في هذه المادة من حيث درجات التحصيل،
و أيضا في تزايد اتجاههم السلبي نحو دراسة المادة. و في ضوء قراءاته في الأدبيات المتخصصه قرر أن يصمم برنامجاً تدريبياً لمعلمي
هذه المادة في ضوء نقاط الضعف الفعلية في أدائهم.
نستعرض هذه الصياغات الخاطئة:
صياغة 1
تتبلور مشكلة الدراسة في الآتي:
- ما أثر برنامج تدريسي مقترح على أداء معلمي مادة (كذا) و على تحصيل التلاميذ و اتجاهاتهم نحو المادة؟
*يلاحظ أن هذه الصياغة سؤال و ليست مشكلة و لا نعرف ما الذي دفع الباحث لهذا السؤال بمعنى ما المشكلة التي أثارت اهتمامه.
صياغة 2
- تتبلور مشكلة البحث في تصميم برنامج تدريبي لمعلمي مادة (كذا) و قياس أثره على أدائهم وعلى مستوى تحصيل التلاميذ و اتجاهاتهم نحو المادة.
في هذه الصياغة يقول الباحث لنا ما ينوى عمله في هذا البحث فهو سيصمم برنامجاً تدريبياً للمعلمين ( لماذا…. ما) الذي أثار اهتمامه مما دفعه للتفكير في تصميم برنامج تدريبي؟ بمعنى أين المشكلة؟
مراجع:
Framework of Problem-Based Research: A Guide for Novice Researchers on the Development of a Research-Worthy Problem. Informing Science: the International Journal of an Emerging Transdiscipline 11 (2008); How to Write a Research Question. The Writing Center. George Mason University; Invention: Developing a Thesis Statement.
طالع أيضاً: كيف تكتب مشكلة البحث.