كثيراً ما نواجه مواقفاً صعبة في حياتنا، وربما نتخذ قرارات خاطئة نندم عليها، ونتمنى لو كنا نظرنا إلى الأمر بشكل مختلف، أو حللنا الأمر من خلال التفكير النقدي، فما هو التفكير النقدي، وكيف يمكننا توظيفه في حياتنا اليومية؟
التفكير النقدي، أو التفكير الناقد
هو القدرة على التفكير بوضوح وعقلانية، وفهم العلاقات المنطقية بين الأفكار والقضايا اليومية، وهو القدرة على الانخراط في التأمل الحر، ولقد كان التفكير النقدي موضعاً للجدل والنقاش منذ زمن الفلاسفة اليونانيين الأوائل كأفلاطون وسقراط، واستمر كذلك حتى العصر الحديث، وتعتبر القدرة على التمييز ما بين ما هو مزيف وما هو حقيقي مثالاً واقعياً على استخدام التفكير النقدي في العصر الحديث.
إن التفكير النقدي يعتمد في جوهره على طبيعة الإنسان، هل هو مجرد متلقي للمعلومات، أم لديه منطقه الخاص وقدرته العالية على التحليل كمتعلم نشط؟
ويتساءل المفكرون الناقدون عن الأفكار والافتراضات بصرامة بدلاً من قبولها فحسب، وهم في سعيٍ دائم لتحديد ما إذا كانت الأفكار والحجج والنتائج تمثل الصورة الكاملة لأي موضوع أم هناك جوانب غير معروفة بعد، وهم جاهزون دائماً للبحث عن الجوانب الخفية لأي قضية أو موقف، كما أنهم يحددون المشكلةـ ويحللونها بشكل منهجي، بدلاً من استخدام الحدس أو الغريزة.
التفكير النقدي، هو القدرة على التفكير في أشياء محددة في وقت محدد، وهي مهارة لا تعتمد على تراكم المعرفة، ولا يمكن تعلمها مرة واحدة بناءً على موقف معين، ثم تطبيقها على جميع المواقف الأخرى، فهي ليست نموذج ثابت يمكن تعميمه، بل هي مهارة ديناميكية متجددة بتجدد الأفكار والقضايا، والمواقف اليومية.
خصائص التفكير النقدي:
إن التفكير النقدي يمكنك من:
- فهم الروابط المنطقية بين الأفكار.
- تحديد أهمية وملاءمة الحجج والأفكار.
- التعرف على الحجج وبناءها وتقييمها.
- تحديد التناقضات والأخطاء في الاستدلال.
- التعامل مع المشكلات بطريقة متسقة ومنهجية.
- تأمل الافتراضات والمعتقدات والقيم.
المهارات التي نحتاجها لنمارس مهارات التفكير النقدي:
تتنوع المهارات التي نحتاجها حتى نتمكن من التفكير بشكل نقدي وتشمل: قوة الملاحظة والتحليل والتفسير والتقييم والاستدلال والشرح وحل المشكلات واتخاذ القرار، وبشكل خاص نحتاج أن نكون قادرين على:
- التفكير في المواقف والقضايا بطريقة موضوعية وحاسمة.
- تحديد الحجج والبراهين المختلفة فيما يتعلق بمسألة معينة.
- تقييم وجهات النظر لتحديد مدى قوتها أو صلاحيتها.
- تحديد نقاط الضعف أو النقاط السلبية الموجودة في الدليل أو الحجة.
- ملاحظة ما وراء البراهين والأدلة.
- القدرة على تقديم منطق منظم يدعم الأدلة التي نرغب في اعتمادها.
التفكير النقدي كعملية منظمة
في البداية يجب أن ندرك أن لا أحد منا يستطيع أن يفكر بشكل نقدي طوال الوقت؛ فالعقل ليس بنفس الكفاءة دائماً، بل يتأثر بالظروف المحيطة والحالة العامة للإنسان، فعندما نشعر بالغضب نفكر بشكل وحشي، وإذا ما شعرنا بالفرح أو الحزن فنحن نفكر بشكل درامي يغلب عليه الطابع الشاعري.
إذن فالفكرة تكمن في السيطرة على المشاعر لنتمكن من ممارسة عمليات التفكير النقدي بشكل منطقي منظم، ويستطيع الإنسان بالفعل أن يدرب نفسه على التفكير المنطقي حتى في الحالات التي تكون فيها مشاعره الجياشة طاغية على صوت العقل والمنطق، ومن أهم الأنشطة التي يمكن أن يمارسها الشخص ليحافظ على منطقية تفكيره ونقديته، هي أنشطة السيطرة على الغضب، والتحكم بالمشاعر، وجلسات التأمل الطويلة، وبالتأكيد يتطلب ذلك المثابرة والممارسة المستمرة، خاصةً إذا كان الشخص مدرك لنظرية التفكير النقدي بشكل واسع.
تطبيق عملي على التفكير النقدي:
فكر في شيء أخبرك به أحد الأشخاص مؤخرًا. ثم اطرح على نفسك الأسئلة التالية:
- من الذي أخبرني بذلك؟
هل هو شخص أعرفه؟ أم شخص في موقع سلطة؟ هل يهمني ذلك الشخص؟
- ماذا أخبرني؟
هل أخبرني بحقائق أم آراء؟ هل قدم لي كل الحقائق، أم أخفى عني شيئاً ما؟
- أين أخبرني بذلك؟
هل أخبرني بذلك على العلن، أم بشكل سري؟ هل أعطى للآخرين فرصة إبداء آرائهم في ما قاله لي؟
- متى أخبرني بذلك؟
هل أخبرني بالأمر قبل حدث هام، أم خلاله، أم بعده؟ هل توقيت إخباره لي بالأمر مهم، أو مقصود؟
- لماذا أخبرني بذلك؟
هل قدم لي تفسيراً عن سبب إخباره لي ذلك الأمر؟ أو هل شرح رأيه؟ هل ما قاله كان محاولة لتلميع صورة أحد ما أم تشويهها؟
- كيف أخبرني بذلك؟
هل كان سعيداً أم حزيناً وهو يخبرني؟ أم هل كان غير مبالِ؟ هل كتب لي أم خاطبني وجهاً لوجه؟ هل ما قاله كان واضحاً؟
ما الذي نهدف إلى تحقيقه من خلال عملية التفكير النقدي؟
إن أحد أهم جوانب التفكير النقدي هو تحديد ما تهدف إلى تحقيقه ثم اتخاذ قرار بناءً على مجموعة من الافتراضات، وبمجرد توضيح هذا الجانب لنفسك، يجب استخدامه كنقطة انطلاق في جميع المواقف المستقبلية التي تتطلب التفكير وربما اتخاذ المزيد من القرارات.
عند الضرورة، اجعل زملائك في العمل أو عائلتك أو من حولك على علم بما تنوي تحقيقه. يجب عليك بعد ذلك تطويع نفسك للاستمرار في عملية التفكير النقدي حتى تصبح جميع الظروف المتغيرة من حولك دافعاً لك لإعادة النظر في القرار النهائي الذي سوف تتخذه.
رغم ذلك، هناك أشياء قد تعرقل اتخاذ القرارات، كالسمات الشخصية والتحيزات، والطبائع المختلفة لكل إنسان التي قد تشكلت لديه بمرور الزمن، إن ضمان استمرار عملية التفكير النقدي بشكل ناجح هي أن نكون على دراية وعلم بتلك الخصائص والسمات الشخصية، والتفضيلات والتحيزات، وأن نتحكم بها جيداً، لكي لا يتحول التفكير النقدي إلى مجرد تفكير عاطفي سطحي! مع التأكيد على أن التحكم بتلك الطبائع والخصائص الشخصية لا يعني إلغاءها بشكل نهائي، ففي النهاية نحن نوظف التفكير النقدي لنصنع قراراً يخدم مصلحتنا في المقام الأول، أي أننا لا نفكر تفكيراً نقدياً لمجرد التفكير والتحليل.
كلما زاد إدراكنا لأنفسنا، ولنقاط قوتنا وضعفنا، زاد احتمال أن يكون تفكيرنا الناقد مثمراً.
عملية التفكير النقدي والبحث العلمي
إن التفكير النقدي من أهم العمليات التي تعزز أصالة وقيمة البحث العلمي.
إن المشكلات البحثية التي يحقق فيها الباحث مهما كانت صعبة أو معقدة، فهي قابلة للتحليل والنقد والتحقيق، وصولاً إلى نتائج واستنتاجات تشكل حلولاً لتلك المشكلات والقضايا، وذلك عند إعمال التفكير النقدي في جميع خطوات البحث العلمي، كما أن عملية صنع القرار فيما يتعلق بالدراسة تكون أكثر فاعلية إذا ما كانت عمليات التفكير الناقد حرة بلا قيود أو محددات تعيق تقدم إجراءات البحث.
ومن أهم ملامح إسهام التفكير الناقد في جعل عملية البحث العلمي أكثر فاعلية وإنتاجية هو قدرة الباحث الذي يفكر بطريقة نقدية على النظر إلى المفاهيم والأسئلة والنتائج من منظور مختلف يكشف عن القضايا البحثية المحتملة بعد انتهاء التحقيق في مشكلة محددة، وبذلك يتمكن الباحث من المشاركة في إثراء حقول المعرفة في مجال تخصصه بشكل واسع وأصيل.
طالع أيضاً: 3 طرق لتنمية مهارات التفكير ماوراء المعرفي لدى المراهقين