كيفية تجنب انتهاكات أخلاقيات البحث العلمي
سنتناول في هذا المقال كيف يمكن للباحثين في بداية حياتهم المهنية تجنب انتهاكات أخلاقيات البحث العلمي أو ما يسمى بالمناطق الأخلاقية الرمادية (Ethical Grey Areas)، وفيما يلي أربع طرق للبقاء على المسار الصحيح أثناء العمل البحثي.
مقدمة
يمكن أن يمثل تحديد انتهاكات أخلاقيات البحث العلمي تحدياً كبير للباحثين خاصة أولئك المبتدئين في العمل البحثي. هذا صحيح بشكل خاص عند إجراء البحوث المتعلقة بالقضايا المصيرية أو الحساسة، حيث تتطور المبادئ التوجيهية الأخلاقية وبروتوكولات السلامة للتجارب مع تقدم المعرفة بتلك القضايا.
يقول ستيفان إريكسون (Stefan Eriksson)، مدير مركز أخلاقيات البحث وأخلاقيات علم الأحياء في جامعة أوبسالا في السويد، إنه في حين أن مجالس المراجعة المؤسسية يمكنها التعرف على القضايا الأخلاقية في مقترحات البحث، فإن الباحثين “هم وحدهم” القادرين على تحديد تلك القضايا بوضوح تام وذلك عند إجراء الدراسة.
إن مجالس انتهاكات أخلاقيات البحث العلمي لا يمكنها أن تضبط العمل البحثي بشكل تام ونهائي، وعليه فإن الباحث يجب أن يتحمل المسؤولية الأخلاقية تجاه عمله بنفسه، وأن يكون لديه رقابة ذاتية في كل خطوة يقوم بها.
وأيضاً إن من مسؤولية مجلات النشر العلمي أن تعمل على تحديد سياسات واضحة للتعامل مع الأبحاث العلمية التي تظهر انتهاكات أخلاقيات البحث العلمي، لأن ذلك يساهم بشكل كبير في ردع كل باحث يفكر في المراوغة والتلاعب أثناء إعداد دراسته العلمية،
وبناءً على دراسات حديثة بقيادة مدير مركز أخلاقيات البحث وأخلاقيات علم الأحياء في جامعة أوبسالا في السويد (ستيفان إريكسون) فإن معظم المجلات العلمية لا تمتلك سياسات واضحة في التعامل مع انتهاكات أخلاقيات البحث العلمي. وعليه فإن من الضرورة أن تقدم كل مجلة علمية مجموعة من الإرشادات الواضحة لما يشكل ممارسات بحثية غير أخلاقية.
وإلى أن يتم وضع تلك الإرشادات وإلى أن تصبح مقبولة على نطاق واسع، يحتاج الباحثون إلى تفعيل رقابتهم الذاتية وضمائرهم الخاصة لمنع حدوث الانتهاكات الأخلاقية، كما يقترح إريكسون.
كيفية تجنب انتهاكات أخلاقيات البحث العلمي
فيما يلي أربعة نقاط يجب مراعاتها، لتتمكن كباحث من تجنب الوقوع في انتهاكات أخلاقيات البحث العلمي:
أولاً: راجع أداة الدراسة بشكل منتظم مع عينة البحث.
إن اتخاذ القرارات ليس شيئاً تقرره عند حصولك على إجابات عينة الدراسة. إنه من المهم النظر إلى اتخاذ القرار البحثي على أنه عملية مستمرة، وليس شيئاً نفعله بناءً على العلامات التي يضعها أفراد العينة في مربعات الاستبيان.
يقول إريكسون: “عليك التأكد من أن الناس يفهمون سبب مشاركتهم في البحث وأنهم يستطيعون قول لا إذا شعروا أن عليهم ذلك”.
قد يؤدي ضعف التواصل مع المشاركين (عينة البحث) إلى الارتباك، خاصة عندما يتعلق الأمر بحقوقهم.
على سبيل المثال، قد يرى المرضى المشاركون في تجارب الأدوية نموذج الموافقة الموقع على أنه عقد ملزم قانونًا يمنعهم من الانسحاب من الدراسة، حتى لو تعرضوا لأعراض جانبية ضارة أو لم يتلقوا أي فائدة من العلاج.
“تقع هذه الأنواع من سوء الفهم على عاتق الباحثين، وعليه يجب عليك التأكد من أن فهم المشاركين يتطور مع تقدم البحث.”
ثانياً: ضع نفسك في مكان المشاركين (عينة البحث).
نعم إنه من السهل عليك كباحث أن تنغمس في تصميم الدراسة وجمع البيانات، ولكن ليس هذا فقط ما عليك القيام به! في الحقيقية يجب عليك أيضاً النظر إلى الأمور من منظور المشاركين، وليس فقط من منظورك الخاص.
تقول هانا فاريموند (Hannah Farrimond)، عالمة الاجتماع الطبي بجامعة إكستر في المملكة المتحدة، إن إحدى أكثر الطرق فعالية لوضع نفسك كباحث في مكان المشارك في البحث كفرد من أفراد العينة؛ هي المشاركة في دراسة باحث آخر. شاركت فاريموند في دراسة تبحث في كيفية موازنة النساء بين حياتهن المهنية والأسرية، ووجدت أنها تجربة قيمة.
وعلقت على تجربتها في المشاركة في تلك الدراسة كمستجيبة: ” يمكن أن تمنحك المشاركة كمستجيب نافذة على ما يبدو عليه الأمر في الواقع حين يسألك شخص ما الكثير من الأسئلة الصعبة، وستتعرف عن كثب على أنواع الضغوط التي تظهر”.
من المهم أيضًا مراعاة ظروف المشاركين والمواقف المعيشية والخلفيات الثقافية عند تصميم مشاريع بحثية سليمة أخلاقياً.
على سبيل المثال، عند إجراء مقابلات مع الفئات الخاصة لإجراء استطلاعات نوعية، مثل الأشخاص ذوي الإعاقة أو أولئك الذين يعيشون في مجتمعات منخفضة الدخل، يجب أن يكون لدى الباحثين بروتوكول محدد بوضوح للتعامل مع المعلومات الحساسة التي يكشف عنها المشاركون، لا سيما عندما تقع خارج موضوع البحث المباشر.
تقول فاريموند في هذا الصدد: “لا يكفي أن نقول: هؤلاء أشخاص ضعفاء، سنكون متعاطفين معهم إذا حدث أي شيء، بل عليك أن تكون مستعدًا لجميع أنواع المواقف غير المتوقعة.”
ثالثاً: تعرف جيداً إلى من تتحدث عند ظهور انتهاكات أخلاقيات البحث العلمي.
لا تكون انتهاكات أخلاقيات البحث العلمي واضحة دائماً، لذلك من الجيد تحديد الأشخاص الذين يمكنهم تقديم المشورة حول كيفية تجاوز انتهاكات أخلاقيات البحث العلمي، على سبيل المثال، لجنة أخلاقيات البحث العلمي في جامعتك أو باحث كبير.
إنه لمن المهم للباحثين في بداية حياتهم المهنية أن تكون لديهم سلسلة من السلطات التي يمكنهم اللجوء إليها حين يشعرون باقترابهم من انتهاكات أخلاقيات البحث العلمي، وإحدى أبرز طرق منع حدوث شيء فظيع أثناء العمل البحثي هي إخبار الناس بما تفعله. كما أن من الجيد أيضًا بناء شبكة من المتخصصين والمحترفين المؤهلين للتعامل مع انتهاكات أخلاقيات البحث العلمي غير المتوقعة بأمان.
على سبيل المثال، إذا ذكر أحد المشاركين في دراسة طبية أنهم يتعرضون للعنف المنزلي، فيمكن للباحثين إحالته إلى مستشار محدد بدلاً من تزويده بقائمة من أرقام الهواتف، مما قد يؤدي إلى وضع خطير للمشارك.
إن من الجيد دائماً في البحث العلمي أن تتأكد من وجود فريق حولك.
رابعاً: لا تقم فقط بحفظ المبادئ التوجيهية الأخلاقية – بل ضعها موضع التنفيذ.
يجب على الباحثين الشباب البحث عن فرص لتطبيق المبادئ التوجيهية الأخلاقية بدلاً من حفظها ببساطة. ومع المبادئ التوجيهية والسياسات المصممة لتكون بعيدة المدى وقابلة للتطبيق على نطاق واسع، قد تصبح القيود والفروق الدقيقة واضحة فقط بمجرد وضعها موضع التنفيذ.
“هناك مبادئ أخلاقية يمكنك أن تنظر إليها، لكنها لا تخبرك بما يجب عليك فعله على أرض الواقع”.
“البحث الأخلاقي هو ممارسة.”
إن تطبيق المبادئ التوجيهية الأخلاقية مهم بشكل خاص في حالات مثل الوباء، حيث تتطور المبادئ التوجيهية الأخلاقية وبروتوكولات السلامة باستمرار استجابة لمجموعة الأدلة المتزايدة المرتبطة بالمرض.
قدمت العديد من الوكالات والمؤسسات البحثية، مثل منظمة الصحة العالمية، إرشادات بحثية محدثة منذ الأيام الأولى لتفشي وباء (COVID-19) حول المعايير الجديدة لتجارب اللقاح إلى المشورة بشأن استخدام تقنيات التتبع لتتبع الاتصال.
نحن في المجلة العربية للعلوم ونشر الأبحاث نبدي استعدادنا الكامل لمساعدة السادة الباحثين في تحديد انتهاكات أخلاقيات البحث العلمي، من أجل إنجاز أبحاث علمية أصيلة وقيمة، تثري المكتبة العربية، وتكون بذلك منهلاً ثميناً للباحثين؛ من أجل الارتقاء بعملية البحث العلمي، وهذا واحدٌ من أبرز أهداف المجلة العربية للعلوم ونشر الأبحاث.
طالع أيضاً: أخلاقيات البحث العلمي.