يعد قسم الدراسات السابقة في البحث العلمي مطلباً علمياً ضرورياً نظراً للدور الذي يقوم به والفائدة الأكاديمية التي يقدمها للباحث والبحث فهو قاعدة مهمة جداً في إنجاز بحث علمي أكاديمي رصين يتوفر فيه كافة الشروط العلمية التي تضمن له البقاء، وعليه نناقش في هذا المقال كيفية توظيف الدراسات السابقة في البحث العلمي.
مقدمة
يجب أن يكون قسم الدراسات السابقة أكثر من مجرد استعراض لجهود الباحثين السابقين ودراساتهم، بل يجب أن يكون مراجعة نقدية شاملة فيها تقييم للنتائج وتحليل وتفسير وتفنيد لأبرز المحاور.
وهذا إن دل على شيء فإنها يدل على أن الدراسات السابقة لم تنجز من فراغ، بل هي عملية معرفية تراكمية تنطلق من جهود الآخرين وتنتهي عند الباحث الحالي ثم تنطلق مجدداً عند باحثين آخرين وهذا ما يعطي صفة التراكمية للدراسات السابقة، أما الهدف من إدراجها في الأبحاث العلمية فهو تقديم إضافة علمية لمختلف الجهود السابقة. (توظيف الدراسات السابقة)
أما عند الحديث عن واقع توظيف الدراسات السابقة في الأبحاث العلمية فنجد أن هناك بعض الفوضى التي تحدث عند إعداد الباحث لهذا القسم، وغالباً ما يتفوق العرض على النقد والتحليل عند إدراج الدراسات السابقة، وهذا الأمر هو بالطبع محل دراسة من قبل العديد من الباحثين الجدد.
مفهوم الدراسات السابقة في البحث الأكاديمي
عادة ما يجد الباحث نفسه أمام كم هائل من المعلومات حول موضوع بحثه، فتزاحمه الأفكار، بين ماذا يقرأ؟ وعلى ماذا يركز؟
وكيف يبدأ؟ وهذه طبيعة البدايات في البحث، حيث يظهر للباحث أنه لن يخرج من هذه الدوامة ولن يستقر على الموضوع.
وبين الغموض والحيرة، وبين محاولة الوصول إلى بصيص من النور حول الموضوع؛ لابد أن يستنجد الباحث بالدراسات
السابقة، فهي القادرة على ضبط الموضوع بدقة أكبر، حيث أن الاطلاع عليها يسمح بغربلة كل الأفكار التي ليس لها علاقة
بالموضوع؛ وتبيان أهم الأفكار التي يجب التركيز عليها. (توظيف الدراسات السابقة)
وبالتالي نلاحظ هنا أن الدراسات السابقة ومحاولة مراجعتها من قبل الباحث توضح ملامح بحثه؛ والعناصر التي يجب التركيز عليها في البحث وعليه فيمكن تعريف الدراسات السابقة بأنها محاولة لرسم الخطوط الفاصلة بين الغموض والوضوح في موضوع البحث.
أهمية الدراسات السابقة في البحث الأكاديمي
تحتل الدراسات السابقة مكانة هامة في البحث الأكاديمي، وأن أهميتها تنبع من مكانتها تلك، فلا يستطيع الباحث البدء في إعداد بحث علمي رصين دون المرور على مختلف الدراسات والأبحاث التي أنجزت حول موضوعه.
وهذا يشير بجلاء إلى أن هذه المراجعة هي عماد الدراسة وركنها الأهم وهي مقياس حقيقي لمهارات الباحث وإمكانياته وقدراته. أضف إلى ذلك أنه لابد أن تكون أهداف دراسته نابعة مما انتهى إليه من تحديد الفجوة المعرفية.
ويمكن إجمال أهمية الدراسات السابقة في النقاط الجوهرية الآتية: (توظيف الدراسات السابقة)
- تمنع تكرار الموضوعات، بحيث تضمن للباحث الاختيار السليم والموفق دون الوقوع في الموضوعات المستهلكة.
- تساعد الباحث في صياغة إشكالية بحثه وفق الأطر العلمية المتعارف عليها بطريقة جيدة ومقبولة.
- تزود الباحث بالمصادر والمراحع المختلفة حول موضوع بحثه، بحيث توفر عليه مشقة البحث.
- البحوث السابقة تكشف عن النتائج المتجاهلة والحقائق التي يجب أن تؤحذ بعين الاعتبار قبل بدء مشروع بحث جديد.
الضوابط المنهجية فى انتقاء الدراسات السابقة
غير خافٍ على طالب العلم أن أهمية الدراسات السابقة هي جزء من أهمية البحث العلمي ككل، فهي جزء منه، ولا يمكن أن تصلح باقي المراحل دون صلاح هذه المرحلة.
لذا على الباحث أن يوليها الكثير من الأهمية، ولا يستهين بما قد تقدمه هذه الدراسات، لذا على الباحث أن يتعرف على جملة من الضوابط المنهجية عند اختياره للدراسات السابقة، والتي يمكن حصرها في النقاط الآتية: (توظيف الدراسات السابقة)
- أن تكون الدراسة السابقة المنتقاة تعالح متغيرات الدراسات الحالية أو إحدى متغيراتها.
- أن تكون الدراسة السابقة متوفرة فعلاً قي المكتبات أو على محركات البحث، وتكون متاحة بالنص الكامل.
- هل يمكن أن يتم يضبط موضوع الدراسة الحالية بدقة عند النظر في الدراسات السابقة؟ هذا سؤال على الباحث طرحه.
- لا ينبغي اختيار الدراسات السابقة التي تحمل العنوان نفسه، لأن هذه الدراسة لن تضيف شيئاً للدراسة الحالية.
- على الباحث أن يحاول قد الإمكان أن يختار الدراسات المنشورة في مجلات علمية مرموقة، ومحكمة ومصنفة دولياً.
معايير تصنيف الدراسات السابقة
لا يوجد شيء في البحث العلمي متروك للصدفة أو العشوائية، كل شيء مرتبط بقواعد منهجية على الباحث أن يحترمها لينجز بحثه بأمان وسلاسة، كذلك هو الحال بالنسبة للدراسات السابقة، هناك مجموعة معايير لتصنيفها بحيث تكون أكثر عملية وإجرائية وحتى يسهل التعامل معها. (توظيف الدراسات السابقة)
الأمر هنا مرتبط بمعايير ترتيب الدراسات السابقة في البحث، حيث يخضع هذا التصنيف إلى جملة من المعايير نوضحها في النقاط الآتية:
- قد تصنف الدراسات السابقة حسب التسلسل التاريخي (من الأقدم إلى الأحدث أو بالعكس).
- قد تصنف الدراسات السابقة حسب بيئة الانتماء (المجتمع الذي يدرسه البحث).
- قد تصنف الدراسة حسب لغة الكتابة (دراسات عربية وأخرى أجنبية).
- قد تصنف الدراسات السابقة حسب متغيرات الدراسة.
دائماً يجب التذكير بأن العبرة ليست قي التصنيف أو التقسيم، بل العبرة في كيف نستفيد من الأفكار التي تطرحها تلك الأبحاث.
كيفية عرض الدراسات السابقة في البحث العلمي
في البداية تتم كتابة اسم الباحث صاحب الدراسة السابقة مبدوءاً باسم العائلة مسبوقة بكلمة “دراسة“، ثم تاريخ الدراسة، بالشكل الآتي: “دراسة عيسى (2022)…” بعد ذلك يتم عرض إشكالية البحث، ثم المنهجية والأدوات، ثم أهم النتائج، ويميل بعض الباحثين إلى كتابة جزء من توصيات الدراسة. (توظيف الدراسات السابقة)
مثال: (توظيف الدراسات السابقة)
دراسة أبو طالب (2021) التي هدفت إلى التعرف على مستوى أداء جامعة عجمان لدورها في تنمية الوعي البيئي من وجهة نظر طلابها، كما هدفت إلى فحص وجود فروق ذات دلالة إحصائية في تصورات هذا الدور تُعزى إلى عدة مغيرات. واستخدمت الباحثة المنهج الوصفي وتمثلت الأداة في مقياس دور الجامعة في الوعي البيئي من إعدادها، أجريت الدراسة على عينة من 370 طالباً جامعياً من طلبة جامعة عجمان، وأظهرت النتائج أن مستوى أداء جامعة عجمان في الوعي البيئي مرتفعاً…
الدراسة الكاملة: دور الجامعات الفلسطينية في تنمية السلوك البيئي لدى الطلبة
توظيف الدراسات السابقة في البحث العلمي
هنا بيت القصيد ومكمن الهدف، كيف نوظف الدراسات السابقة في البحث؟ وأين يكون التوظيف؟ الإحابة أبسط مما نتصور فإذا وظف الباحث الضوابط المنهجية السابقة استطاع أن يصل إلى توظيف سليم للدراسات السابقة، ويمكن توضيح ذلك على النحو الآتي: (توظيف الدراسات السابقة)
- تلعب الدراسات السابقة دوراً مهماً في إشكالية البحث، وهذا توظيف مهم لها، حيث لا يمكن للباحث أن ينطلق من العدم.
- يمكن أن يوظف الباحث الإطار المرجعي للدراسات السابقة في دراسته الحالية، حيث أنها تتناسب مع موضوع بحثه.
- توظيف المفاهيم الإجرائية في البحث، حيث يستطيع الباحث أن يوظف التعاريف الإحرائية لكل دراسة سابقة في بحثه.
- قد يوظف الباحث الإجراءات المنهجية المتبعة في كل دراسة سابقة يرى أنها وثيقة جداً بموضوع دراسته.
- كما يمكن أن يوظف الباحث نتائج الدراسات السابقة لدعم دراسته الحالية والتأكيد على أهميتها.
خاتمة
إن نجاح البحث العلمي مرتبط بمدى تمكن الباحثين من الالتزام بالخطوات المنهجية الضرورية التي يفرضها عليهم البحث العلمي، ومدى قدرتهم على توظيف تلك الإجراءات بطريقة منهجية سليمة تجعلهم في مأمن من الخلل. (توظيف الدراسات السابقة)
وتعد الدراسات السابقة بمثابة ميزان علمي، يزن به الطالب القيمة العلمية المضافة في بحثه وموقع بحثه من بين البحوث السابقة، انطلاقا من قناعته بتراكمية العلم؛ وأن المعرفة العلمية قيمة مضافة وأن هناك ضوابط منهجية لابد منها.
هذا المقال بتصرف عن دراسة للباحث قاسمي صونيا بعنوان: الضوابط المنهجية في توظيف الدراسات السابقة في البحث الأكاديمي، 2020.
طالع أيضاً: الدراسات السابقة: موضوع شامل